الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل بل يختلف معناهما فقيل الهمزة الذي يعيبك في الغيب، واللّمزة الذي يعيبك في الوجه، وقيل هو على ضده، وقيل الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللّمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم، وقيل هو الذي يهمز بلسانه ويلمز بعينه، وقيل الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ، واللمزة الذي يرمق بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه، وقيل الهمزة المغتاب للناس واللمزة الطعان في أنسابهم وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد، وهو الطعن وإظهار العيب وأصل الهمز الكسر والقبض على الشيء بالعنف، والمراد منه هنا الكسر من أعراض الناس والغض منهم، والطعن فيهم، ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم، وأفعالهم، وأصواتهم ليضحكوا منه، وهما نعتان للفاعل على نحو سخره وضحكة للذي يسخر ويضحك من الناس، واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية، فقيل نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب.كان يقع في الناس ويغتابهم وقال محمد بن إسحاق: ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه، وقيل نزلت في العاص بن وائل السّهمي، وقيل هي عامة في كل شخص هذه صفته كائنًا من كان، وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ والحكم، ومن قال إنها في أناس معينين قال أن يكون اللّفظ عامًا لا ينافي أن يكون المراد منه شخصًا معينًا وهو تخصيص العام بقرينة العرف والأولى أن تحمل على العموم في كل من هذه صفته ثم وصفه فقال تعالى: {الذي جمع مالًا} وإنما وصفه بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز يعني وهو بإعجابه بما جمع من المال يستصغر الناس ويسخر منهم، وإنما نكر مالًا لأنه بالنسبة إلى مال هو أكثر منه كالشّيء الحقير وإن كان عظيمًا عند صاحبه فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر بالشيء الحقير {وعدده} أي أحصاه من العدد، وقيل هو من العدة أي استعده وجعله ذخيرة وغنى له {يحسب أن ماله أخلده} أي يظن أنه يخلد في الدّنيا ولا يموت ليساره وغناه قال الحسن ما رأيت يقينًا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ومعناه أن الناس لا يشكون في الموت مع أنهم يعملون عمل من يظن أنه يخلد في الدّنيا ولا يموت {كلا} رد عليه أي لا يخلده ماله بل يخلده ذكر العلم، والعمل الصّالح ومنه قول على: مات خزان المال، وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، وقيل معناه حقًا {لينبذن} واللام في لينبذن جواب القسم فدل ذلك على حصول معنى القسم، ومعنى لينبذن ليطرحن {في الحطمة} أي في النار، وهو اسم من أسمائها مثل سقر ولظى، وقيل هو اسم للدركة الثانية منها وسميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها، والمعنى يا أيّها الهمزة اللمزة الذي يأكل لحوم الناس، ويكسر من أعراضهم إن وراءك الحطمة التي تأكل اللحوم وتكسر العظام {وما أدراك ما الحطمة} أي نار لا كسائرالنيران {نار الله} إنما أضافها إليه على سبيل التفخيم والتعظيم لها {الموقدة} أي لا تخمد أبدًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوقد على النّار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة». أخرجه التّرمذي قال ويروى عن أبي هريرة موقوفًا وهو أصح {التي تطلع على الأفئدة} أي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب، والمعنى أنها تأكل كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد، وإنما خص الفؤاد بالذكر لأنه ألطف شيء في بدن الإنسان، وأنه يتألم بأدنى شيء، فكيف إذا اطلعت عليه واستولت عليه، ثم إنه مع لطافته لا يحترق إذ لو احترق لمات صاحبه، وليس في النار موت، وقيل إنما خصه بالذكر لأن القلب موطن الكفر، والعقائد، والنيات الفاسدة.{إنها عليهم مؤصدة} أي مطبقة مغلقة {في عمد ممدة} قال ابن عباس: أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد وفي أعناقهم السلاسل سدت عليهم بها الأبواب، وقال قتادة: بلغنا أنهم عمد يعذبون بها في النّار، وقيل هي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار، والمعنى أنها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة، وقيل أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا ينفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، وممددة صفة العمد، أي مطولة فتكون أرسخ من القصيرة نعوذ بالله من النار، وحرها والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
وقرأ حفص وأبو عمرو وحمزة بالهمزة.{فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} أي موثقين في أعمدة ممدودة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص وقرأ الكوفيون غير حفص بضمتين، وقرئ: {عُمْدٍ} بسكون الميم مع ضم العين.عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الهمزة أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه» رضوان الله عليهم أجمعين. اهـ.
وقرأ الجمهور: بفتح الميم فيهما؛ والباقون: بسكونها، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك منه، ويشتم ويهمز ويلمز.{الذي}: بدل، أو نصب على الذم.وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر والأخوان: جمع مشدد الميم؛ وباقي السبعة: بالتخفيف، والجمهور: {وعدده} بشد الدال الأولى: أي أحصاه وحافظ عليه.وقيل: جعله عدة لطوارق الدهر؛ والحسن والكلبي: بتخفيفهما، أي جمع المال وضبط عدده.وقيل: وعددًا من عشيرته.وقيل: وعدده على ترك الإدغام، كقوله: {أخلده}: أي أبقاه حيًا، إذ به قوام حياته وحفظه مدّة عمره.قال الزمخشري: أي طوّل المال أمله ومناه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أن المال تركه خالدًا في الدنيا لا يموت.قيل: وكان للأخنس أربعة آلاف دينار.وقيل: عشرة آلاف دينار.{كلا} ردع له عن حسبانه.وقرأ الجمهور: {لينبذن} فيه ضمير الواحد؛ وعليّ والحسن: بخلاف عنه؛ وابن محيصن وحميد وهارون عن أبي عمرو: ولينبذان، بألف ضمير اثنين: الهمزة وماله.وعن الحسن أيضًا: لينبذن بضم الذال، أي هو وأنصاره.وعن أبي عمرو: لينبذنه.وقرأ الجمهور: {في الحطمة وما أدراك ما الحطمة}؛ وزيد بن علي: في الحاطمة وما أدراك ما الحاطمة، وهي النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها.قال الضحاك: الحطمة: الدرك الرابع من النار.وقال الكلبي: الطبقة السادسة من جهنم؛ وحكى عنه القشيري أنها الدركة الثانية؛ وعنه أيضًا: الباب الثاني.وقال الواحدي: باب من أبواب جهنم، انتهى.و{نار الله}: أي هي، أي الحطمة.{التي تطلع على الأفئدة}: ذكرت الأفئدة لأنها ألطف ما في البدن وأشدّه تألمًا بأدنى شيء من الأذى؛ واطلاع النار عليها هو أنها تعلوها وتشتمل عليها، وهي تعلو الكفار في جميع أبدانهم، لكن نبه على الأشرف لأنها مقر العقائد.وقرأ الأخوان وأبو بكر: في عمد بضمتين جمع عمود؛ وهارون عن أبي عمرو: بضم العين وسكون الميم؛ وباقي السبعة: بفتحها، وهو اسم جمع، الواحد عمود.وقال الفرّاء: جمع عمود، كما قالوا: أديم وأدم.وقال أبو عبيدة: جمع عماد.قال ابن زيد: في عمد حديد مغلولين بها.وقال أبو صالح: هذه النار هي قبورهم، والظاهر أنها نار الآخرة، إذ يئسوا من الخروج بإطباق الأبواب عليهم وتمدد العمد، كل ذلك إيذانًا بالخلود إلى غير نهاية.وقال قتادة: كنا نحدّث أنها عمد يعذبون بها في النار.وقال أبو صالح: هي القيود، والله تعالى أعلم. اهـ.
|